في تونس شعبٌ أراد الحياة ..

15 جانفي 2011

عندما قام محمد البوعزيزي بإحراق نفسه و إشعال فتيل الثورة الغاضبة في تونس ، لم يخطر ببالي أو ببال أحد ربما أن الأمور ستصل إلى ما وصلت إليه اليوم ، أذكر أنني قرأت الخبر و أشفقت على حال ذلك الشاب الذي لم يجد لنفسه عملاً فوصل به اليأس إلى إحراق نفسه ، كنت مستاءة وقتها من تلك التعليقات التي وردت أسفل الخبر و التي كفرت الرجل و نعتته بالجنون  ، أما أنا فكنت في قرارة نفسي أردد  ” ما حدا رح يحس فيه و بعد كم يوم رح ينسوه  “. رحمة الله عليك يا محمد .فقد  كان الشرارة التي اشتعلت فوق البركان .

قامت بعدها مظاهرات الشعب في شوارع تونس ، كان مشهداً غريباً علينا ، مظاهرات احتجاج في دول عربية  ! فالمشهد الذي اعتدناه دائماً هو مظاهرات منظمة من قبل الادارات العليا يخرج فيها الموظفون و طلاب المدارس و الجامعات  و يحرق فيها العلم الاسرائيلي و ترفع فيها لافتات مناهضة للتوأمين اسرائيل و أمريكا و يعود الناس في نهاية المطاف إلى ديارهم بسلام ، و لكن في هذه المرة كانت المظاهرات من نوع مختلف تماماً .

على ماذا يثور أولئك التونسيون؟  أردت أن أفهم بالضبط ما هي مشكلتهم ؟ اطلعت على وثيقة ويكليكس الخاصة بتونس وفهمت منها  أن ما لديهم ليس أمراً غريباً ، و لكنهم لم يكونوا بحاجة إلى أكثر من الغلاء و الفقر و التضخم و البطالة  ، لم يكونوا بحاجة إلى أكثر من الفساد و نهب البلاد من قبل مافيا العائلة المالكة ، لم يكونوا بحاجة إلى أكثرمن  سياسة تكميم الأفواه أبداً ، غريب أمرهم فعلاً  ، هل تستحق هذه التفاصيل البسيطة المعتادة جداً  قيام ثورة  ! هل هنالك فعلاً أي داعٍ لتلك الثورة أم أننا ائتلفنا الخطأ بشكل عجيب حتى بات جزءاً من حياتنا ؟ ربما كان هذا هو المعنى الحقيقي للتبلد .

كان أحد الأصدقاء  في الأسابيع الماضية  يوافيني بشكل دائم بآخر أخبار المظاهرات التونسية ، كان متحمسًا جداً لتلك المظاهرات و متتبعاً لأخبارها أولاً بأول لدرجة تسبب الصداع في بعض الأحيان  ، كنت أتجاوب معه في حماسه و لكنني أردد في قلبي ” مارح يطلع معهم شي ” ،  كنت أتوقع أن تلك المظاهرات ستنتهي عاجلاً أم آجلاً  و كنت آمل بذلك لكي أرتاح من جرعة الحماس اليومية التي يتحفني بها ذلك  المتفائل ، إلا أن يقيني كان يقول بأن  الحال سيعود  إلى ما كان عليه قبل المظاهرات  .

ظهر بعدها  زين العابدين بن علي على التلفزيون ملقياً خطابه  بملامح يأكلها الخوف  و مردداً سلسلة من الوعود المعسولة المعتادة .. أضحكني بن علي في كل وعد قطعه  و كان أكثر ما أضحكني هو وعده بأن لا يترشح لفترة رئاسية قادمة بعد انتهاء ولايته في 2014  “فاله طيب ” .  أدركت حينها أن الرجل يشعر بخطر ،  و لكنني أيضاً لم أتوقع حتى في أسوأ السيناريوهات التي وضعتها أن يصل الحال إلى ما آل إليه ،  أن ينقلب الحكم ، و يخرج بن علي فاراً من البلاد و أن يلحق به أفراد عائلته ،  و أن تعلن تونس حرة بأيدي رجالها خلال أسبوعين من بدأ الثورة .

حتى هذه اللحظة ، أشعر بأن ما نراه ليس إلأ حلماً  ، أنا لا أذكر أنني عاصرت انقلاباً  ذو قيمة إلا في مسرحية ضيعة تشرين لغوار “دريد لحام ” ، و لم أعهد احتفالات الشعوب بخلاصها من الاستعباد الداخلي إلا عندما أطاح الأمريكيون بعاصمة العراق بغداد و لم يكن حينها نصر لشعب العراق بل كان نصراً أمريكياً تكره نفسي الاحتفاء به .

تونس علمتنا اليوم أن الحرية لا تحتاج إلى يد طامعة تأتي لكي تسلمنا إليها، لا تحتاج إلى الكثير من الأحزاب والتنظيمات ولا إلى الكثير من المقالات و البرامج الحوارية و طبول الإعلام  ، تونس علمتنا أن الثورة قرار و فعل ،   و أن الرضى بالذل لم يكن يوماً قدراً و لكنه كان اختيار و لم يكن ذلك اختيار اولئك الأبطال .

——————————————

اقرأ أيضاً :

وثيقة ويكيليكس التي أشعلت تونس

15 تعليق “في تونس شعبٌ أراد الحياة ..”

  1. محمد Says:

    تونس علمتنا الكثير و الكثير ثقبت جدار الخوف الذي في صدورنا حلقت بنا في أفق جديد لم نكن نتخيله في هذا الوقت و كأنه حلم

  2. shackow Says:

    كما قال أحد الأصدقاء أتمنى أن تعدي انفلونزا تونس الجميع

  3. شهيناز يوسف Says:

    مرحبا اختى الغالية ريم… اتمنى ان تعود السكينة والهدوء لبلدنا الثانى والشقيق تونس.. فما يحدث خلال الساعات الماضية من هدم وتكسير ونهب سواء لاملاك الشعب او الدولة ليس حلا… لا ندرى من المتسبب فيه….وما الهدف منه…..


  4. […] كتبتها صديقتي ريم في مدونتها […]

  5. somar Says:

    ((كنت آمل بذلك لكي أرتاح من جرعة الحماس اليومية التي يتحفني بها ذلك  المتفائل…))
    أعجبتني هذه الجملة كثيراً لأنها تعبر عن الواقع…

    من جهة ثانية… أعتقد صديقك المتفائل كان يحس تماماً بشعورك ولكنه وقف بين نارين.. أن يوصف بالمتفائل الساذج… أو أن يقتل الحلم ويصمت..ففضل السذاجة…

    طبعاً أنا لا أنتقدك هنا وإنما هذا هو الوضع…
    وكما قال سعد الله ونوس.. ((نحن مكومون بالأمل))

    يحيا التفاؤل..

    تحية


  6. […] This post was mentioned on Twitter by Somar. Somar said: في تونس شعبٌ أراد الحياة ..: http://t.co/Njf8NJF كنت آمل ذلك لكي أرتاح من جرعة الحماس اليومية التي يتحفني بها ذلك المتفائل…ـ […]

  7. shackow Says:

    ههههه كم سمع من صفات ونعوت ولكن هذه أول مرة أوصف بالساذج

    وحلوة أنا لا أنتقدك هنا ولكن هذا هو الوضع = انتبه تفكر حالك مو ساذج فانت ساذج

    لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم يعني مو زعلان من ساذج قد ماني زعلان من تهمة متقائل
    والله أنا سوداوي وأفتخر بسوداويتي 🙂

    • somar Says:

      يبدو ان هناك سوء تفاهم..

      أنا قلت أن الصديق فضل الاستمرار بنشر أخبار تونس رغم أن الآخرين قد يصفون تصرفاته بالتفاؤل (الساذج)

      ثم وجهت كلامي للكاتبة (ريم) بأنني لا أنتقدها وإن كانت صنفت تفاؤل الصديق الشديد.. كونها حالة معتادة لدينا وهي ناتجة عن تتابع الهزائم لحد فقدنا الأمل ..ـ

      تحياتي

  8. shackow Says:

    سيدي الخلاف لا يفسد للود قضية وحصل خير وبن علي عم يفكر يفتح محل عطورات وبخور بمكة
    وكما قال زكي جمعة : “نحن مكممون حتى لا نصاب بالعدوى”


  9. […] Bloggerin Reem, ebenfalls aus Syrien, gibt zu, dass sie von den Ereignissen völlig überrascht war und nie im […]


  10. […] Reem expressed her surprise on January 15 and noted that she had not expected any of the events in […]


  11. […] مدونة ريم كتبت بتاريخ 15-1-2011 بأنها لم تكن تتوقع شيئا مما حدث في تونس، فما يعاني منه التوانسة من غلاء وفقر وبطالة وفساد ونهب البلاد من قبل مافيا العائلة الحاكمة، هي أمر عادي جدا، ولم تكن تتوقع أن التظاهرات ستؤدي إلى نتيجة. […]

  12. M7MAD Says:

    هُم الأحرار ، والبقية عليهم إثبات ذلك !


  13. الثورة التونسية ثورة نظيفة
    و يحيى زعيم التورة محمد البوعزيزي


اترك رداً على شهيناز يوسف إلغاء الرد