الآي تي أو الدعم الفني ، ذلك القسم المستحدث منذ ما يقارب العشر سنوات أو لنقل عشرين سنة تجاوزاً ، و لنقل أيضاً أنه التطور الطبيعي للكهربجي بعد ظهور الحاسبات و الاعتماد الكامل عليها في تأدية العمل  ، هذا القسم الذي ابتليت به غالبية الشركات و المؤسسات الكبيرة ، حتى أن المكاتب الصغيرة لم تعد تخلو من عناصر الآي تي ، بالإضافة إلى احتواء كل عائلة على ما لا يقل عن عنصر آي تي واحد على الأقل مهمته التخريب و التجريب بكل أجهزة العائلة المعطوبة و السليمة التي يتم عطبها عن طريق تجاربه البديعة .

و لسوء الحظ ، لم ألجأ يوماً إلى الدعم الفني إلا و أصابني اللجوء إليهم بمزيدٍ من الإحباط نظراً لقدرتهم الهائلة على إدخال اللاجئين إليهم في متاهات لا تنتهي و تزيد من المأزق سوءاً .  و أخص بالذكر هنا موظفي الدعم الفني في شركات الاتصالات الذين يعتبرون مثالاً يحتذى به لموظفي الدعم الفني ذوي الروح المتعاونة.

ويشترك جماعة الآي تي في بعض الصفات المميزة :

1- القاعدة رقم واحد ” الحق عليك “ : لا يمكنك أن تلجأ  إلى أي منهم دون أن يشعرك  بأن “الحق عليك ” في كل خلل يحدث في الاجهزة حتى لو كانت المشكلة انتهاء حبر الطابعة ، سيتفنن في إظهارك بمظهر اليد العابثة المخربة التي لا تفقه شيئاً ،  و بأنه لولا جهلك التقني  و أهمالك و سوء استخدامك  لما انتهى بك الأمر للاستعانة بخبراته و فهمنته . وبناءً عليه سيتولى معاقبتك على سوء ما ارتكبته يداك الآثمة  في كل سؤال توجهه إليه .

2- رحابة الصدر : من شدة تواضع الآي تي فإنه سيلقي عليك بتعليماته كما لو أنه يلقي عليك بتعليمات كتاب مقدس ، يكلمك من “راس مناخيره ” و بطريقة النتر و الامر و النهي ، و اذا قمت بمناقشته أو استفسرت عن أي من تعليماته فإنه لن يتوانى عن توبيخك لعدم التزامك بأوامره المقدسة شعاره في ذلك “نفذ ثم اعترض ”  .
“يا أخي ساوي متل ماعمبقلك من غير ما تسأل ”   .

3- الصدق : أكثر الصفات التي تبهرني في هذه الجماعة هي صدقهم المطلق و التزامهم اللا متناهي بوعودهم ، يعني بتقدر تضبط ساعتك عليهم ، فإذا وعدك أحدهم بحل المشكلة بعد ساعة  فعليك أن لا تتوقع الحل قبل اليوم التالي ، أما إذا وعدك بحل المشكلة غداً فهذا يعني أن تكرر الاتصال به في الغد لتذكره لأنه لن يتذكر أبداً من تلقاء نفسه ، أما إذا قمت بتوصيته على إحدى القطع فإنه سيصيح كلما رأى وجهك قائلاً : ” والله نسيت ، بكره القطعة بتكون عندك ” . و تطول بكره إلى أيام و ربما أسابيع .

4- لا يرد على اتصالاتك إلا بعد الرنة الخامسة أو السادسة في أحسن الأحوال هذا إن لم تضطر إلى معاودة الاتصال به أكثر من مرة حتى تتمكن من الوصول إليه، و هو بالتأكيد لا يلام على هذا ، فهو شخص كثير المشاغل و ذو جدول مضغوط يادوب يلحق المرابطة على ثغور  الماسنجر و الفيس بوك وتويتر طوال ساعات عمله – الله يعطيه العافية – .

5-نظرة الفخر و العنجهية : ستحصل على هذه النظرة حتماً بعد أن يتعطف عليك و يقوم بحل مشكلتك عندها سيرمقك بتلك النظرة التي ستوقع في قلبك الرعب لمجرد الاقتراب مجددا من الجهاز الذي تم تصليحه ، ولا بيل غيتس في ملكوته سيبدأ باستعراض عضلاته التكنلوجية التي تمكنت من حل معضلتك ،  منتظرا منك سيلاً من المديح لقدراته العقبرية و لمساته السحرية الكفيلة بإسقاط أي نظام متنح .

6- يثق بالمستخدم ثقة مطلقة : نعم هو بالضبط واثق بأن المستخدم الذي أمامه “هندي بريشة” ، و أنه وصل إلى التكنلوجيا و التقنية بالغلط ، و بالتالي لن يكلف نفسه عناء شرح خطوات الحل للمستخدم و إن استفسر عنها ، لإيمانه  المطلق و ثقته العمياء بأن المستخدم لن يستوعب شيئاً منها في أي حال، كما يستبعد تماماً أن يكون المستخدم قد لجأ إلى أي خطوة من خطوات الحل قبل استعانته بالدعم الفني و هذا أكثر الأسباب التي تضيع الوقت على الطرفين  .

7- مفعم بالنشاط ما أن تطلبه حتى يهب لنجدتك : بمجرد اتصالك به سيبادر مباشرة إلى طرح مئات الأسئلة عليك  ، و سيدلك أيضاً إلى العديد من الخطوات التي يتوجب عليك اتباعها  ، باختصار سوف يستبسل لحل المشكلة عن طريق الهاتف حتى لا يضطر لترك مكتبه و القدوم إليك و سيدخلك في دوامة مما سيجعلك تعد للألف في المرة القادمة قبل قيامك بالاتصال به .

يذكر أن الاستعانة بعناصر هذا القسم ذوي النفسيات السرحة بدأت تتراجع شيئاً فشيئاً بعد أن وفر لنا العم جوجل الاجابة عن  كافة الاستفسارات لمشاكلنا مهما كانت مستعصية مما ينبئ بأن أيامهم باتت معدودة 🙂 .

عزيزي الكمبيوترجي : إذا كنت من قسم الآي تي و لم تجد في نفسك أياً من الصفات المدرجة أعلاه فاعلم أن هنالك خطأً فادحاً في تركيبتك النفسية ، حيث أعترف أنا المدونة لكل ما كتب أعلاه أنه يتم الاستعانة بي أحياناً لحل بعض المشكلات التقنية البسيطة نظراً لأنني درست شيئاً له علاقة بالكمبيوتر ، لأفاجئ بأن الأعراض ذاتها  تتملكني و بعنف .

ملاحظة أخيرة لجماعة الآي تي : نحنا عم نهز الورد 🙂

أكثر من ألفي قتيل في ليبيا ، و مئات القتلى في تونس و مصر ، ولازال بيننا من يشكك في دماء هؤلاء الشهداء و في انتماءاتهم ، مازال بيننا من ينعتهم بالعمالة لأمريكا ، أو في أحسن الأحوال يتم الإشارة إليهم على أنهم مجموعة من السذج الذين انصاعوا وراء مؤامرات تريد شراً بالمنطقة.

ولا تزال الأسطوانات المشروخة تتكرر على مسامعنا من قبل أبواق النظام تارة و من قبل أشخاص عاديين يعيشون بيننا تارة أخرى ، نعم هنالك من يرى أن تلك الشعوب أضعف من أن تتحرك من تلقاء نفسها ولا يريد أن يصدق إلا بوجود أيدٍ خفية تحرك هذه الجماهير غير يد الفقر و سنوات الاستبداد.

ومن وحي الثورات السابقة و اللاحقة ، أصبح بإمكانك أن تصبح عميلاً في خمس خطوات بسيطة:

1- تكلم بصوت مرتفع عن كل ما يتعلق بالمطالب الإنسانية الاساسية من حرية و حياة كريمة ،
تلك المطالب التي تجول في خاطر الجميع ولكنهم يفزعون من مجرد رؤيتها في مناماتهم ، لأن الجهر بها خيانة عظمى.

2- ادعم ثورة تونس و مصر وليبيا ما سوف يتلوها من مكانك .

3- انضم إلى أحدى المجموعات في فيس بوك التي تحمل إحدى الكلمات المغضوب عليها “ثورة” ، “معارضة” ، “غضب”، ” حرية “و بالتالي ستصبح من فئة القلة المندسة التي تبغي الفساد في الأرض.

4- تابع تلفزيون الجزيرة ذي الأجندات الصهيونية الأمريكية الخارجية .

5- تضامن مع معتقلي الرأي ، طالب بحريتهم و انضم للمجموعات والصفحات التي تدعمهم على الفيس بوك .

وهكذا ببساطة سيثبت تورطك في العمالة لأفكارك ، العمالة  لحريتك و كرامتك كإنسان له حق في “العزبة ” التي استملكها أصحاب القرار منذ سنوات طويلة و تولوا نهب خيراتها وتقسيم أراضيها على أبنائهم .

عندما قام محمد البوعزيزي بإحراق نفسه و إشعال فتيل الثورة الغاضبة في تونس ، لم يخطر ببالي أو ببال أحد ربما أن الأمور ستصل إلى ما وصلت إليه اليوم ، أذكر أنني قرأت الخبر و أشفقت على حال ذلك الشاب الذي لم يجد لنفسه عملاً فوصل به اليأس إلى إحراق نفسه ، كنت مستاءة وقتها من تلك التعليقات التي وردت أسفل الخبر و التي كفرت الرجل و نعتته بالجنون  ، أما أنا فكنت في قرارة نفسي أردد  ” ما حدا رح يحس فيه و بعد كم يوم رح ينسوه  “. رحمة الله عليك يا محمد .فقد  كان الشرارة التي اشتعلت فوق البركان .

قامت بعدها مظاهرات الشعب في شوارع تونس ، كان مشهداً غريباً علينا ، مظاهرات احتجاج في دول عربية  ! فالمشهد الذي اعتدناه دائماً هو مظاهرات منظمة من قبل الادارات العليا يخرج فيها الموظفون و طلاب المدارس و الجامعات  و يحرق فيها العلم الاسرائيلي و ترفع فيها لافتات مناهضة للتوأمين اسرائيل و أمريكا و يعود الناس في نهاية المطاف إلى ديارهم بسلام ، و لكن في هذه المرة كانت المظاهرات من نوع مختلف تماماً .

على ماذا يثور أولئك التونسيون؟  أردت أن أفهم بالضبط ما هي مشكلتهم ؟ اطلعت على وثيقة ويكليكس الخاصة بتونس وفهمت منها  أن ما لديهم ليس أمراً غريباً ، و لكنهم لم يكونوا بحاجة إلى أكثر من الغلاء و الفقر و التضخم و البطالة  ، لم يكونوا بحاجة إلى أكثر من الفساد و نهب البلاد من قبل مافيا العائلة المالكة ، لم يكونوا بحاجة إلى أكثرمن  سياسة تكميم الأفواه أبداً ، غريب أمرهم فعلاً  ، هل تستحق هذه التفاصيل البسيطة المعتادة جداً  قيام ثورة  ! هل هنالك فعلاً أي داعٍ لتلك الثورة أم أننا ائتلفنا الخطأ بشكل عجيب حتى بات جزءاً من حياتنا ؟ ربما كان هذا هو المعنى الحقيقي للتبلد .

كان أحد الأصدقاء  في الأسابيع الماضية  يوافيني بشكل دائم بآخر أخبار المظاهرات التونسية ، كان متحمسًا جداً لتلك المظاهرات و متتبعاً لأخبارها أولاً بأول لدرجة تسبب الصداع في بعض الأحيان  ، كنت أتجاوب معه في حماسه و لكنني أردد في قلبي ” مارح يطلع معهم شي ” ،  كنت أتوقع أن تلك المظاهرات ستنتهي عاجلاً أم آجلاً  و كنت آمل بذلك لكي أرتاح من جرعة الحماس اليومية التي يتحفني بها ذلك  المتفائل ، إلا أن يقيني كان يقول بأن  الحال سيعود  إلى ما كان عليه قبل المظاهرات  .

ظهر بعدها  زين العابدين بن علي على التلفزيون ملقياً خطابه  بملامح يأكلها الخوف  و مردداً سلسلة من الوعود المعسولة المعتادة .. أضحكني بن علي في كل وعد قطعه  و كان أكثر ما أضحكني هو وعده بأن لا يترشح لفترة رئاسية قادمة بعد انتهاء ولايته في 2014  “فاله طيب ” .  أدركت حينها أن الرجل يشعر بخطر ،  و لكنني أيضاً لم أتوقع حتى في أسوأ السيناريوهات التي وضعتها أن يصل الحال إلى ما آل إليه ،  أن ينقلب الحكم ، و يخرج بن علي فاراً من البلاد و أن يلحق به أفراد عائلته ،  و أن تعلن تونس حرة بأيدي رجالها خلال أسبوعين من بدأ الثورة .

حتى هذه اللحظة ، أشعر بأن ما نراه ليس إلأ حلماً  ، أنا لا أذكر أنني عاصرت انقلاباً  ذو قيمة إلا في مسرحية ضيعة تشرين لغوار “دريد لحام ” ، و لم أعهد احتفالات الشعوب بخلاصها من الاستعباد الداخلي إلا عندما أطاح الأمريكيون بعاصمة العراق بغداد و لم يكن حينها نصر لشعب العراق بل كان نصراً أمريكياً تكره نفسي الاحتفاء به .

تونس علمتنا اليوم أن الحرية لا تحتاج إلى يد طامعة تأتي لكي تسلمنا إليها، لا تحتاج إلى الكثير من الأحزاب والتنظيمات ولا إلى الكثير من المقالات و البرامج الحوارية و طبول الإعلام  ، تونس علمتنا أن الثورة قرار و فعل ،   و أن الرضى بالذل لم يكن يوماً قدراً و لكنه كان اختيار و لم يكن ذلك اختيار اولئك الأبطال .

——————————————

اقرأ أيضاً :

وثيقة ويكيليكس التي أشعلت تونس

في تربية الدجاج علمونا أن ” نمشي بجانب الحيط و نقول ياربي السترة ” ، فلك كامل الحرية أن تختار حيطاً تمشي بجانبه أو أن  تحفر لنفسك قبراً تحته – لا فرق – ، على أن لا تفكر أبداً في  الوقوف أو الركض أو “العربشة” فوق الأساطيح فهناك تهم مسبقة الصنع جاهزة لكي تتلبسك في أي لحظة.

في تربية الدجاج علمونا أن نتلفت يمينا و شمالا أثناء مشينا بجانب الحيط ،  و يفضل أن نكمم أفواهنا أيضاً  ذلك لأن “الحيطان لها آذان ” ، فلا تعبر عن أي شيء سلبي يدور في بالك ، لا تفكر في العصيان ، في الاعتراض ، أو حتى مجرد التعبير عن استيائك ،  فحتى أفكارك يمكن أن تسمعها الحيطان من حولك ،  حافظ على ابتسامتك طوال الطريق . و لا بأس أن يأخذك الحماس لتصدح بموال أو موالين ذلك لأن تربية الدجاج تقتضي أن “تبتعد عن الشر و تغني له “.

في تربية الدجاج علمونا أن نكون سعداء جداً و ممتنين جداً  لكل من لا يحتجز حريتنا في بيتنا  ، لكل من يزيد في عطاءنا من محصول أرضنا أربع حباتٍ من القمح بدل ثلاث ، لكل من يعطينا قطرتين من ماء بحيرتنا بدل قطرة. تعلمنا أن نتقدم بوافر الشكر لكل  من يهضم حقوقنا إن منحنا جزءاً يسيراً منها و إن لم يمنح .

شعوب سارت على نهج واحد حتى أصبحت تربية الدجاج شرعاً ، فمن ابتعد عن الحائط أو فكر في “العربشة” عليه خوّنه أصحابه قبل غيرهم ، و من أشهر قلمه – وليس سيفه – معبراً عن استيائه ألبسوه التهم .

التبست عليهم الرؤيا ، فذلك الذي رفع رأسه و نطق بما يدور في عقولهم ولا يجرؤون على البوح به ، ذلك الذي وقف  بشجاعة  و قال ” لا ” ، هو أحمق وقح خرق تقاليد ساروا عليها دهراً حتى ظنوا أنها الصواب و غيرها الخطأ .

رفقاً بي !

4 مارس 2010

إنّهُ صباح يوم عملٍ جديد ، أجرُّ إليه خطاي بصعوبةٍ فائقةٍ بعد ليلةٍ  قلقة ، لدي امتحان في آخر هذا اليوم و لم أنتهِ بعد من الاستعداد له . و جدول عملي مضغوطٌ بشدةٍ في هذا اليوم و لكنني أتأمل بساعةٍ أو ساعتين أراجع فيها الصفحات المتبقية لي .

في طريقي إلى مكتبي لمحتها قادمة من بعيد .. سارعت في خطواتي قليلاً..  لأسمع صوتها ينادي : “ريم ريم صباح الخير استني شوي جاييتك” ، نعم .. هذا بالضبط ما كنت أنتظره في يومٍ كهذا ، إنها لمى.. سوف تستسرل الآن في حديثها عن مشاكل زوجها و اطفالها و “بيت احماها “ و بنات خالتها و ابنائهم و جاراتها و عائلاتهم وكل من تعرفهم و لا أعرفهم من خلق الله فوق هذه الكرة الأرضية ..

– كيفك شو أخبارك
– تمام بس عندي امتحان و لسه ما لحقت بدي خلص هلأ
– خلص مارح عطلك خليكي تدرسي
وقبل أن تنقضي ستين ثانية
– ريم سمعتي شو صار مع هناء
– خير ان شاء الله “ألهمني الصبر يارب “
وتبدأ في سرد تفاصيل حكايتها التي تدخل من خلالها إلى عدةِ حكاياتٍ ثانويةٍ تتعلق بآخرين لا أعرفهم أيضاً وبعد ساعة من الثرثرة تعتذر لمى
– شكلي ضيعتلك وقتك ، يللا ما رح عطلك ، برجع بكفيلك السيرة بعدين ( لأ دخيلك ) .

حسناً لازال هناكَ بصيص أملٍ في هذا اليوم “اللي مو مبين آخره “ ، سأبدأ الآن ولكنه اتصالٌ هاتفي  “الله يكفينا شر الجايين “

– ألو
– مرحبا ريم
– هلا سوسن كيفك
–  مالّة كتير و ما عندي حدا بالقسم ، انتي شو عم تساوي؟
– أنا عندي امتحان  بعد شوي و عم راجع لأنو ما لحقت خلص
– اي كتير منيح يعني ما عندك شغل يللا جاية سليكي
– لأ يمكن فهمتيني غلط انا عم حضر لامتحاني
– اي يللا منتسلى جاييتك
ما هي إلا دقيقتين و أجدها أمامي،
– سمعي لأحكيلك عن هالمنام ، شفت فيه زوج ام بنت خالتي سلوى ، مو عرفتيها ؟ يلطيف شو كان المنام بيخوف ..
و تنتهي قصةُ المنام بعد ساعة .. لا أعلم أيُّ منامٍ تستغرقُ تفاصيله ساعةً من الزمن و تطول أحداثهُ كما لا تطول أحداث مسلسلٍ تركي .و كان علي أن أهز رأسي و أرسم علاماتِ الاهتمام و الانفعال بتلك التفاصيل الوهمية طوال زمنِ الرواية .

أدرك أن الفضفضة رغبةٌ تتملك الآخرين من وقتٍ لآخر وتساعدهم في التخفيفِ من همومهم في بعض الأحيان ، لكنني لا  أفهمُ أيّ راحةٍ يرجونها  من تعذيبي بتلك الحكايات التي لا يمكن أن تفيدهم أو تفيدني أو تفيد أي كائنٍ على وجهِ الأرض  بأيِّ شيء. هنالك تفاصيل ثانوية لا يمكنني أن أصفها إلا بالــ ” مملة ” لا تخدم غرض الحديث و تفقده جاذبيته . فالقليل من الرفق بذلك الذي قدِّرَ عليه أن يكون مستمعاً لا يضر أبداً ..

Add to FacebookAdd to DiggAdd to Del.icio.usAdd to StumbleuponAdd to RedditAdd to BlinklistAdd to TwitterAdd to TechnoratiAdd to Yahoo BuzzAdd to Newsvine

لتعم الفائدة !

9 فيفري 2010

منذ سنوات دخلت إلى سوق الأسهم عندما دخل إليها سائق التكسي و صاحب البقالة جنبا إلى جنب مع كبار المستثمرين ورفعت حينها شعار : “حط راسك بين الروس  “ لأدرك فيما بعد أن رأسي كان المرشح الأوفر حظاً لكي  يقطع من شرشه . ولكن لا بأس فقد كنت واحدة من كُثُر أصابهم ما أصابني . كسبت و خسرت وخسرت وخسرت ولكن مكسبي العظيم كان في تلك الخبرات التي أُغدقت علي.

– اي ريم شو اشتريتي اليوم

– والله اشتريت السهم الفلاني

هز رأسه بإيماءة ساخرة من جهلي  حتى حسبته أحد الهوامير الخارج لتوه من بورصة داوجونز.

– له له هي عملة بتعمليها . سمعت أن السهم رح يعمل “ليميت داون “  بعد كم يوم بسبب أخبار عن تراجع أرباحه  . روحي بيعي و عليكي بشراء سهم الغدر .

و أنفذ النصيحة ببلاهة صغار المستثمرين فالرجل بلا شك يعرف ما يقول  لأراقب بعدها هبوط سهم الغدر إلى أبخس الأثمان و انعدام العرض على ذلك السهم الذي بعته قبل أيام . أما صاحبنا المضارب المعلم اياه ضيع جل رأسماله في الأسهم ولا زال يسدي النصائح الذهبية لمن تبقى من غشيمي السوق لتعم الفائدة القاضية !

تنوي شراء جهاز لابتوب جديد و تفكر في نوع جديد أيضا لأن الملل قد أصابك من الماركة التي تملكها .فتسأل كوكبة الخبراء التي تحيط بك . ليمدح كل منهم في النوع الذي يمتلكه ليس لفرط إعجابه بأدائه ولكن من مبدأ “ما حدا بيقول عن زيته عكر “ وكأن الشركة الفلانية تمنحه أرباحاً من تسويقه لمنتجها  . ثم تتوكل على النصيحة الأكثر لمعاناً بعد أن تقع في الحيرة لأيام طويلة ، لتلتق بعد شهر زمان بذلك الخبير  على باب الوكالة عند قسم خدمة ما بعد البيع و كلا منكما يحمل جهازه في يساره  ليصارحك بالحقيقة المرة “هذه هي المرة الثالثة اللي بتنضرب فيها الموذربورد .. تورطت بها الجهاز !!!”

و أتذكر أيضاً عندما كنت أماً حديثة العهد و بين يدي طفل لم يتجاوز عمره الشهر يبكي و يصرخ في وجهي بسبب و أحيانا بلا سبب ، و كنت أقابل حينها خبراء الطفولة يحيطون بي و يلقون علي بوافر خبراتهم في مجال الأمومة بغض النظر إن كان هذا الخبير قد عاصر طفلا في حياته من قبل أو لم يفعل.

– عم يبكي يا اما جوعان يا اما موجوع يا اما بدو تغيير ! لا يوجد احتمال رابع أبداً .

– هل بدأتِ بإطعامه .. انا ابني طعميته كبة مشوية و كان عمره اسبوع ..يووو شو حبها !

– نيميه على بطنه منشان ما يتشردئ و في رواية أخرى نيميه على ظهره منشان ما يشوف كوابيس ! ولا تنيميه على جنب منشان ما ينطعج راسه ! يفضل أن تنيميه معلقا من أرجله  !

– عطس ! مصيبة كبيرة ! أكيد بردان دفيه منيح منشان ما يبرد .. له له ليش هيك مانك شايفتيه أديش مشوب رح يفطس الولد شلحيه تيابه خليه يتنفس ! يوووو شو غشيمة !

فهل تأملت معي أننا نعيش في عالم يحتوي عددا لا يستهان به من الخبراء الذين لا يجيدون عملا إلا اسداء النصائح المجانية القاتلة ، و لا يهم أبداً إن طلبت النصيحة من أحدهم أو لم تفعل ، لأن مشروع الخبير في  داخلهم يدفعهم إلى التبرع بهذا النوع من المعرفة التراكمية شئت أم أبيت . فهنيئاً لنا .

Add to FacebookAdd to DiggAdd to Del.icio.usAdd to StumbleuponAdd to RedditAdd to BlinklistAdd to TwitterAdd to TechnoratiAdd to Yahoo BuzzAdd to Newsvine